المعلـــــــــــــــقــات وأصحـــابها:
تعــــريفهـــا:
أطلق هذا الأسم على أشهر القصائد الجاهليه ، وقد أختلف العلماء والنقاد العرب حول هذا الأسم ، فـ منهم من قال إنها علقت على الكعبه لـ نفاستها ، بينما رآى أخرون أنها سميت بذلك لأنها تعلق في الصدور لـ جودتها ، كما أختلف أيضاً في عددها فـ منهم من ذكر أنها سبع ، وهناك من عدها تسعا أو عشراً ، ولكن معظم الرواة والنقاد يذهبوُن إلى أنها سبع لـ سبعة شعراء هـُـم : امرؤ القيس ، وزهير بن أبي سلمى ، وطرفه بن العبد ، وعنترة العبسي ، وعمرو إبن كلثوم ، والحارث بن حلزة ، ولبيد بن ربيعه
* وقد كـان لـ كل شاعر راوية يحفظ شعره ، وينشده بين الناس ، فــ كان زهير بن أبي سلمى راوية لأوس بن حجر ، والحطيئه راويه لـ زهير وهكذا ومن أصحاب المعلقات هم:
إمرؤ القيــــــــــس:
(نحو 130-80 ق.هـ، 497- 545م). امرؤ القيس بن حجر الحارثي وكنيته أبو وهب وأبو زيد وأبو إرث. ويلقب بالملك الضليل. أشهر شعراء العصر الجاهلي، وفارس من الشجعان وصاحب المعلقة الشهيرة التي مطلعها:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ *** بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْراةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُها *** لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وشَمْألِ
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ فِي عَرَصَاتِهَـا *** وَقِيْعَـانِهَا كَأنَّهُ حَبُّ فُلْفُــلِ
كَأنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُـوا *** لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
وُقُوْفاً بِهَا صَحْبِي عَلَّي مَطِيَّهُـمُ *** يَقُوْلُوْنَ لاَ تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَمَّـلِ
وإِنَّ شِفـَائِي عَبْـرَةٌ مُهْرَاقَـةٌ *** فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ
يجمع النقاد على أنه أشهر شعراء عصره وأن معلقته مقدمة على المعلقات. ويرجع اهتمام النقاد بشعره إلى أنه يصور عصره وقضاياه كما أن صوره الشعرية خصبة لم يُسبق إليها. وقد سبق إلى أشياء اتبعه الشعراء فيها. ولذلك عُدَّ رأس الطبقة الأولى من الشعراء.
ينقسم شعره قسمين؛ قسم يصور حياته اللاَّهية وغزله ومجونه، وقسم آخر يصور مأساة حياته عندما طلب ثأر أبيه. وشعر هذه الفترة يفيض بالحزن والشكوى واليأس وصور الحروب والدماء وطلب الثأر وصور الفروسية والجد والعزوف عن الغزل والنساء.
وقد نضجت القصيدة العربية على يده وبلغت ذروتها الفنية بما أرساه لها من قواعد. وقد نص النقاد على ما أضافه امرؤ القيس في بنية القصيدة وما أبدعه في ذلك.
ومن مشهور أشعاره أبيات من معلقته في وصف الليل
وليلٍ كَموجِ البحر أرخَى سُدُولَه عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
فَقُلْتُ له لما تمطَّى بصُلبه وأردفَ أعَجازًا وناءَ بِكَلْكَلِ
ألا أيها الليلُ الطويلُ أَلاَ انجلِ بصبحٍ وما الإِصباحُ منك بأَمثلِ
فيالك من ليل كأن نجومَه بكلِّ مُغَارِ الفَتْلِ شُدَّت بِـيَذْبُلِ
طــــــــــرفة بن العبـــــد:
طَرَفَة بن العَبْد ( 86- 60 ق.هـ، 538- 564م). طرفة بن العبد بن سفيان البكري، ينتهي نسبه إلى قيس بن ثعلبة أحد فروع قبائل بكر بن وائل، جاهلي من شعراء المعلقات. كان قومه يعيشون في البحرين على الخليج العربي، وطرفة لقبه الذي به اشتهر.
وينحدر طرفة من أسرة شِعْر فأبوه أخ للمرقِِّّش الأصغر، وابن أخ للمرقش الأكبر. أما أمه فهي وردة بنت قتادة، أخت الشاعر المتلمِّس، وله من أمه أخت شاعرة هي الخرْنق بنت بدر من بني ضُبيعة. وكان لطرفة أخ شقيق اسمه مَعْبد وابن عم اسمه مالك، ولم تكن صلته بهما حسنة. تُوفي أبوه وهو صغير، وعانى طرفة مع أمه من ظلم أعمامه، فقد منعوهما نصيبهما من إرث أبيه، فكان لذلك أثر شديد في نفسه ظهر بوضوح في شعره وفي مطلع معلقة شعره كان يقـــــــــول :
لخولةَ أطلالٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَدِ تلوح كباقي الوشْم في ظاهر اليدِ
وتقول الأبيات التي وصف فيها ناقته:
لها مِرْفقان أفتلان كأنها تَمُرّ بسَلْمىْ دالج مُتَشَدِّدِ
كقنْطرة الرُّوميّ أقسم ربُّها لتُكْتَنَفَنْ حتىّ تُشادَ بقرْمَد
صُهابيةُ العُثْنُونِ موجَدة القَرَا بعيدةُ وخذ الرّجْل مَوَّارةُ اليَدِ
كما يتحدث في معلقته عن فلسفته في الحياة ومنهجه في العيش فيقول:
ومازال تشرابي الخمور ولذَّتي وبيعي وإنْفاقي طريفي ومُتْلَدي
إلى أنْ تحامتني العشيرة كُلهّا وأفْردْتُ إفرادَ البعير المعُبد
رأيت بني غبراء لاينكروُنني ولا أهل هذاك الطراف المُمدد
فإن كنت لا تَسْطِيع دفعَ مَنِيَّتي فدَعْني أبادرْها بما ملكت يدي
وأما البيتان الأخيران من المعلقة فقد صارا مضرب المثل:
ستُبدي لك الأيامُ ماكنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تُزَوِّدِ
ويأتيك بالأخبار من لم تَبعْ له بَتَاتًا ولم تضِربْ له وقْتَ موعدِ
ويُعَدُّ طرفة، على حداثة سنه وقلة شعره، من كبار شعراء العصر الجاهلي، فقد تبوأ منزلة عالية في عالم الشعر نوّه بها القدماء، وأشادوا بصاحبها. وقد صنَّفه ابن سلام مع شعراء الطبقة الرابعة من فحول الجاهليين؛ مع عبيد بن الأبرص، وعلقمة بن عَبَدَة، وعدي بن زيد. ثم أكد أن موضعهم مع الأوائل وإنما أخل بهم قلة شعرهم بأيدي الرواة.
زهيـــر بن ابي سلمـــى:
زهير بن أبي سُلْمى ( ؟ - 627م). ربيعة بن رباح المزني. جاهليٌ من شعراء المعلقات، اختلف الرواة في نسبه، فبعضهم ينسبه إلى غطفان، وآخرون يردونه إلى مزينة، ولا يعرف بالتحديد متى وُلِدَ، ولكن يجمع الرواة على أنه عاش في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام، وأنه شهد حرب داحس والغبراء ويوم جبلة. كما عاصر نفرًا من شعراء العصر الجاهلي منهم النابغة الذبياني، وأوس بن حجر، وعنترة بن شداد العبسي. ونستنتج من شعره أنه عمّر طويلاً.
وقد انقطع زهير لهرم بن سنان، وقال فيه جل مدائحه، وشهد حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان. ونظم فيها معلقته التي مطلعها:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلّم بحومانة الدراج فالمتثلّم
وقد مدح فيها هرم بن سنان والحارث بن عوف؛ لأنهما تحملا الديات، وسعيا لإحلال السلم. وفي قصيدته إشادة بصنيع الرجلين، وتنفير من الحرب، وتحذير من الغدر والخيانة، وتذكير للمتحاريين بأخطار الحرب وويلاتها. وختم قصيدته بطرح تجاربه في أبيات تفيض بالحكمة، وهي خلاصة تجربته على مدى ثمانين حولاً.
**ويحظى شعر زهير بتقدير النقاد لأسباب فنية وأخلاقية؛ فأما الفنية فإنها تتصل بعنايته بشعره وحرصه على تنقيحه، حتى عرفت بعض قصائده بالحوليات؛ فقد كان يعيد النظر في بنية القصيدة، وفي صورها الجزئية ومعجمها اللفظي، وينقحها قبل أن يظهرها للناس.
**وأما الأسباب الأخلاقية، فإنها تتصل بقيمتي الصدق والإخلاص في التعبير عنده، ولذا أعجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشعر زهير للصدق في منطقه، ولأنه لايحسن في صناعة الشعر أن يُعطى الرجل فوق حقه من المدح.
ومن أعمق شعره وأشده تأثيرًا في النفس تلك الأبيات من معلقته التي يصدر فيها عن تجربة في الحياة ومعرفة بالأحياء من حوله. يقول:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعشْ ثمانين حولاً لا أبالك يسأم
وأعلم مافي اليوم والأمس قبلَه ولكنني عن علم مافي غدٍ عَمِ
رأيت المنايا خبط عشواء من تصبْ تُمتِه ومن تخطئْ يُعَمَّرْ فيهرَمِ
ومن لم يُصانعْ في أمور كثيرةٍ يضرّس بأنياب ويَوُطأ بمَنسْمِ
ومن يجعل المعروف من دون عْرضِه يَفِرْه ومَنَ لايتّقِ الشتم يُشتَمِ
وأما أبياته التي مدح بها حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري فقد أضحت المثال الكامل لشعر المدح الذي رام الشعراء من بعده الوصول إليه فلم يدركوه. تقول
وأبيض فياضٍ يداه غمامةٌ على معتفيه ماتغبّ فواضِلهُ
بكرتُ عليه غدوةً فرأيتهُ قعودًا لديه بالصريم عواذله
يُفَدِّينه طورًا وطورًا يَلمنه وأعيا، فما يدرين أين مخاتله
تراه إذا ماجئتهُ متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائلهُ
لبــــــيد بن أبي ربيــعة:
لبيد بن ربيعة ( ؟ - 41هـ، ؟ - 661م). لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري الصحابي، يعد من شعراء المعلقات بإجماع الرواة، ومن أشهر الشعراء المخضرمين المعمرين. قدم على النبي ³ سنةَ وَفَدَ قومه بنو جعفر بن كَلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة فأسلم وحسن إسلامه. وكان يقال لأبيه ربيع المقُتِرين لجوده وسخائه، وقتلته بنو أسد في حرب بينهم وبين قومه. نشأ لبيد كريمًا كأبيه وآلى على نفسه في الجاهلية ألا تهب الصَّبا إلا أطعم الناس حتى تسكن، وظل على نذره في الإسلام. ويكنى لبيد أبا عقيل.
وصفه ابن سلام فقال: وكان لبيد في الجاهلية خير شاعر لقومه يمدحهم ويرثيهم ويعد أيامهم ووقائعهم وفرسانهم. وعدّه ابن قتيبة من شعراء الجاهلية وفرسانهم. وذكر الأصفهاني في ترجمته أن عمه هو أبو بَرَاء عامر بن مالك ملاعب الأسنة. أما أمه فهي تامرة بنت زنباع القيسية، إحدى بنات حذيمة بن رواحة
ويكاد الرواة يجمعون على أن لبيدًا قد جوَّد فن الرثاء، وبرع فيه كل البراعة، مما جعل طه حسين يقدم لبيدًا على الخنساء في الرثاء. فهو عنده أبرع منها في تصوير الحزن، وصبِّ اليأس في القلوب صبًا في غير ضعف ولا وهن.
ومن أجمل شعره معلقته التي مطلعه:
عفت الديار محلها فمقامها بمنى تأبَّد غوْلهُا فرجامها
ولعل أشهر ما قاله في الفخر أبياته:
إنا إذا التقت المجامع لم يزل منا لزازُ عظيمةٍ جَشَّامُها
من معشر سنّت لهم آباؤهم ولكلِّ قوم سنةٌ وإمامُها
لا يَطْبَعُون ولا يبور فعالهم إذْ لا تميل مع الهوى أحلامُها
فاقنع بما قَسَم المليك فإنما قَسَم الخلائقَ بيننا علاَّمُها
ومن أشهر قوله في طول أجله، أبياته التي ورد فيها:
ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا الناس كيف لبيد؟
عمرو ابـــن كلثـــــوم:
عمرو بن كلثوم ( ؟ - 40ق هـ، ؟ - 584م). عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب، من بني تغلب، وأمه بنت المهلهل؛ شاعر جاهلي كبير، وصاحب إحدى المعلقات الشهيرات وأولها
(ألا هبِّي بصحنك فاصبحينا)
كان فارسًا شجاعًا مقدامًا، ساد قومه منذ أن كان صغيرًا، وكان شديد الافتخار بنفسه، شديد الإعجاب، ذا اندفاعية وحمية، فهو الذي قتل عمرو بن هند ملك الحيرة. تعد معلقته من أجود شعر العرب، قيل إنها بلغت الألف بيت، غير أنه لم يصل منها للرواة إلا القليل، يقول مطلعها:
ألا هُبّي بصحنك فاصبحينا ولاتبقي خمور الأندرينا
مشعشعة كأن الحصّ فيها إذا ما الماء خالطها سخينا
ثم يقول:
أبا هندٍ فلا تعْجل علينا وأنظرنا نُخَبِّرْك اليقينا
بأنا نورد الرايات بيضا ونُصدرهن حمرا قد روينا
وأيام لنا غر طوال عصينا الملك فيها أن ندينا
ثم يقول:
وأنا المطعمون إذا قدرنا وأنا المهلكون إذا ابتلينا
وأنا المانعون لما أردنا وأنا النازلون بحيث شينا
ونشرب إن وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا
إلى أن يقول:
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
لنا الدنيا ومن أضحى عليها ونبطش حين نبطش قادرينا
عنتــــــرة بن شــــداد:
عَنْتَرة العَبْسي ( ؟ - نحو 22ق.هـ، ؟ - نحو 600م). عنترة بن شداد العبسي شاعر جاهلي من شعراء المعلَّقات السَّبْع وفارس من فرسان بني عبس. ارتبط اسمه وسيرته بحبه لعبلة ابنة عمه. أما أمه فجارية سوداء من الحبشة تدعى زبيبة تملَّكها شداد فأنجبت له عنترة، ولكنه على عادة العرب في الجاهلية إذا كان للرجل ولد من أَمة استُعبد، ولذا عُدَّ من العبيد.
يُكَنى عنترة بكنيتين لم تشيعا كثيرًا وهما؛ أبو المعايش وأبو أوفى. وكان عنترة من أشد أهل زمانه وأجودهم بما ملكت يداه. وقد دعاه أبوه وألحقه بنسبه بسبب غارة لبعض أحياء العرب على قومه بني عبس أظهر فيها عنترة شجاعة فائقة
وشعر عنترة رَجْعٌ مباشر لمعاناته النفسية، يمتلئ بالحديث عن شمائله وأخلاقه الكريمة. ومعلقته ـ وهي من أصح قصائده ـ ترسم صورة خلقية كاملة له. ففيها أسرف عنترة في الحديث عن وقائعه، ونعت نفسه بأجمل الأوصاف مُظهرًا أخلاقه وكرمه، وجميل فعاله وبطولاته. ويظهر في العديد من أبيات القصيدة أثر الصراع العنيف بين حب عنترة لعبلة، وسواد لونه وصحة نسبه، فقد ظلمته القبيلة، وتنكرت له الحبيبة، فتسامى في خُلقه وفي حبّه، وتغلّب على جروحه وآلامه، فأخذ يردد على مسامع عبلة مكارمه، ويظهر لها مواقفه في مبارزة الأبطال.
وفي القصيدة ـ التي عدّها ابن سلام نادرة ـ جمع عنترة بين ألفاظ الحب وألفاظ الحرب، وكان خطابه دائمًا موجهًا إلى المرأة التي أنكرته ورفضت حبه، وهو حبٌ على حافة الخطر، يظهر فيه وجه الفارس العاشق
يقول في مطلع معلقته الشهيرة
هل غادر الشعراء من متردّم أم هل عرفت الدار بعد تَوَهُّمِ
يقول مفتخرًا بشجاعته في القتال:
يدعون عنتر والرماح كأنها أشطان بئر في لَبان الأدهم
مازلت أرميهم بثغرة نحره ولبانه حتى تــََسْرَبل بالدم
حتى قال:
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها قيلُ الفوارس ويك عنتر أَقْدِم
ويحفل ديوانه بما يدل على فروسيته في الحرب وتفانيه في الحب وإجادته في النظم.
الحــــارث بن حلــــزة:
الحارث بن حِلِّزَة. ( ؟ ـ 50ق.هـ، ؟ -570م). شاعر جاهلي من بني يَشْكُر، من بكر بن وائل، عاصر عمرو بن هند. قليل النظم واشتهر بمعلقته:ـ
آذنتنا ببينِها أسماءُ رُبَّ ثَاوٍ يُملُّ منه الثَّوَاءُ
تزعم الروايات أن الحارث ارتجل هذه القصيدة أمام عمرو بن هند، إلا أن أكثر الدارسين المحدثين يخالفون القدماء نظريتهم تلك؛ لأن القصيدة تمتاز بتنسيق أفكارها، وترتيب أجزائها ترتيبًا دقيقًا مع سردها الحوادث التاريخية بأحكام ورويَّة، مما يرجح أنها ليست مرتجلة. كما يغلب عليها جودة اللفظ وقوة المتن، مما يُرجِّح أن الشاعر فكر فيها طويلاً قبل نظمها. ومن جميل أبياتها قوله:
وأتَانَا من الحوادث والأنْبَاء خَطْبٌ نُعْنَى به ونُسَاءُ
إنّ إخْوانَنَا الأراقِمَ يَغْلون علينا في قِيلهِمْ إحفَاءُ
يَخْلِطُون البَريءَ منا بذي الذنْب ولاينفعُ الخليَّ الخلاء
زعموا أنّ كلَّ من ضرب الَعيْر مُوالٍ لنا وأنّا الولاءُ
أجْمَعوا أمْرَهُم عِشَاءً فلما أصبحوا أصْبَحَتْ لهم ضَوْضاءُ
الاعشـــــــــــــى مــــيون:
الأَعْــشَى ( ؟ - 7هـ، ؟ - 629م). ميمون بن قيس ابن جندل بن شراحيل؛ من شعراء المعلقات. وينتهي نسبه إلى ضُبَيْعَة بن قيس بن ثعلبة أحد الفروع التي تفرعت إليها قبيلة بكر. وكانت بكر تنزل في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية على امتداد ما بين وادي الفرات واليمامة في الجنوب الشرقي من نجد، وكانت قيس تنزل في إقليم اليمامة.
لُقِّب بالأعشى لضعف بصره ويكنى أبا بصير. وسُمّىَ صناجة العرب؛ لأنه كان يتغنى بشعره. وأمه بنت علس أخت المسيب بن علس الشاعر، وعنه حمل الشعر الأعشى إذ كان راويته.
عاش الأعشى في أواخر العصر الجاهلي وولد بقرية باليمامة يقال لها منفوحة (أصبحت إحدى ضواحي مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية).
وهناك بعض العناصر النصرانية تسرّبت إلى شعره بسبب تطوافه الواسع في أرجاء الجزيرة العربية وماحولها، وتردده على البيئات النصرانية في اليمن والشام والحيرة.
أما شعره فيبين أنه كان صاحب لهو وعبث؛ وصف الخمر شغفًا بها فأحسن وصفها. كما شغل وقته بمتابعة الجواري والقيان، وأكثر من وصفهن في شعره، ولذا كانت خلاعته ومجونه صورة أخرى لحياة امرئ القيس. على أن الأعشى كان من الشعراء المقدَّمين في الجاهلية؛ يمتاز بطول قصائده، وتصرفه في معظم فنون الشعر. وضعه ابن سلام مع شعراء الطبقة الأولى إلى جانب امرئ القيس وزهير والنابغة
وهناك أقوال كثيرة أظهرت منزلة الشاعر عند الرواة والشعراء الأقدمين. وعند مقارنته بشعراء عصره يلاحظ على شعره سهولة ألفاظه. ويعزى ذلك لرحلاته وتطوافه، واختلاطه بمراكز الحضارة في عصره.
وأشـهر شعـره معلقـته التي مطلعهـا:
ودِّع هــريــرة إن الركــب مـرتحل وهل تطيق وداعاً أيــها الرجــل
النــــابغة الذبيــــــاني:
النابغة الذبياني (ت نحو 604م). زياد بن معاوية، ينتهي نسبه إلى سعد بن ذبيان بن بغيض. وأمه عاتكة بنت أنيس من بني أشجع الذبيانيين، فهو ذبياني أبًا وأمًا، وكان يكنى بأبي أمامة وأبي ثمامة، وله ابنة تُسمى عقرب وربما كني بها أيضًا. ويلقب بالنابغة وبهذا اللقب عرف واشتهر. واختلف الرواة في تعليل هذا اللقب، فقالوا: لُقِّب به لقوله: ¸فقد نبغت لنا منهم شؤون•، أو لأنه لم يقل الشعر حتى صار رجلاً، أو لنبوغه في الشعر وتفوقه فيه.
من أعلام الشعراء الجاهليين أصحاب المعلقات ومطلع معلقته:
يادار مية بالعلياء فالسّند أقوتْ وطال عليها سالف الأمد
والمعلومات حول فترة طفولته وشبابه شحيحة. وقد اكتفى الرواة بالقول: إن النابغة كان من أشراف ذبيان وبيوتاتهم، وكان معاصرًا لحرب داحس والغبراء التي دارت رحاها بين قبيلته وقبيلة عبس بين عامي (568 و 608م). ولعله لم يشهد نهايتها، إذ لم يرد في أشعاره أي شيء يتصل بانتهائها.
وفي شعر النابغة رقة وفصاحة في اللفظ، وعذوبة وسهولة في التراكيب، وبعد عن الإغراب. ومع شدة اتصاله بمراكز الحضارة في العراق والشام؛ فإن شعره مع ذلك ظل شديد الأسر قويّ المتن رصينًا متينًا، حظ الشدة فيه أكثر من حظ اللين.
ومن أجمل صوره الشعرية تلك التي رثى فيها حصن ابن حذيفة موحيًا بالحالة النفسية وشعور الجزع الذي عرا الناس بموته. فجمال الأبيات في إيحائها الفني وعمق تصويرها للموقف الشعوري:
يقولون حِصْن، ثم تأبى نفوسُهم وكيف بحصنٍ والجبال جُنُوحُ
ولم تلفظ الموتى القبورُ، ولم تزل نجوم السماء، والأديم صحيحُ
فعمّا قليلٍ، ثم جاء نعيُّه فظل نديّ الحي وهو ينوح
وللنابغة اعتذارية عينية تجري مجرى اعتذاريته البائية، وقد جاء فيها:
أتاني أبيت اللعن أنك لُمتني وتلك التي تَسْتَكُّ منها المسامعُ
ومن أجمل ماورد فيها قوله:
وكفكَفْتُ مني عَبْرةً فرددتُها إلى النَّحرْ منها مُسْتَهِلٌ ودامِعُ
على حين عاتبتُ المشيبَ على الصِِّبا وقلتُ ألمَّا أصْحُ والشيبُ وازعُ
ولكنّ همًّا دون ذلك شاغِلٌ مكان الشِّعاف تبتغيه الأصابعُ
وعْيِدُ أبي قابُوسَ في غير كُنْهِه أتـــاني ودوني راكسٌ فالضَّواجِعُ
فبِتُّ كأنِيّ ساورتني ضئيلةٌ من الرّقشِ في أنيابها السُّمُ ناقِعُ
عبيــــــــد بن الأبرص:
عَبِيد بن الأبرص ( ؟ -22ق.هـ، ؟ - 600م). من فحول الشعراء الجاهليين. نشأ في بني أسد في نجد، وكان شاعرهم. وقد عُمِّر طويلاً حتى قتله المنذر بن ماء السماء. وأخبار عبيد في المصادر قليلة، ويغلب عليها طابع الأساطير والأقاصيص الشعبية. وقد عني المستشرق السير تشارلز ليال بأخباره وشعره. فقال في مقدمة تحقيقه لديوانه: "وليس لدينا أخبار عن تفاصيل حياة عبيد، غير ماجاء في قصائده، ومن الواضح أن الأخبار التي تروى عنه خرافية، ولاتحمل طابع الصدق".
وقد جعله ابن سلام في الطبقة الرابعة من فحول العصر الجاهلي مع طرفة بن العبد وعلقمة بن عبدة وعدي بن زيد، وتحدث عنه وعن شعره فقال: وعبيد بن الأبرص، قديم عظيم الذكر، عظيم الشهرة، وشعره مضطرب ذاهب، لا أعرف له إلا قوله:
أقفر من أهله مَلْحُوبُ فالقُطِبيّات فالَّذنُوبُ
وعدَّ ابن قتيبة هذه القصيدة أجود شعره وهي عنده إحدى المعلقات السبع. ولم يذكر أحد أنها من المعلقات غيره، وهي آخر القصائد العشر في شرح التبريزي، وأدخلها صاحب جمهرة أشعار العرب في المجمهرات التي ذكرها بعد المعلقات. وذكره أبو الفرج فقال: شاعر فحل فصيح من شعراء الجاهلية، وعَدَّه ابن رشيق من مشاهير الشعراء ومن المقلين أصحاب الواحدة. وقد لاحظ المستشرق الإنجليزي ليال في مقدمته الدقيقة التي صدَّر بها ديوانه الذي حققه ونشره سنة 1913م أن معظم قصائد عبيد من تأليف رجل متقدم في السن؛ ينظر إلى شباب يعده من أجمل المراحل التي قام فيها بجلائل الأعمال. كما لاحظ في لغة القصائد قدرًا من الشخصية الذاتية يكفي للدلالة على صحتها، وأشار إلى أسلوبه فقال:
.¸طبيعي، وسهل، لا يتجلى فيه التكلف الذي أغرم به الأدباء فيما بعد
ومن جميل قوله في معلقته أبياته التي تشف عن حكمة وتجربة
وكل ذي نعمةٍ مخلوسُها وكل ذي أمل مكذوبُ
وكل ذي إبل موروثها وكل ذي سلبٍ مسلوبُ
وكل ذي غيبةً يؤوبُ وغائب الموت لا يغيبُ
ساعد بأرضٍ ماكنت فيها ولاتقلْ إنني غريبُ
قد يُوصَلُ النازح النائي وقد يُقْطَعُ ذو السُّهْمَة القريبُ