- التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر وأثارها:
لم تقتصر الإبادة التي سخرها الجيش الفرنسي على القتل الجماعي بالطرق المعهودة، بل تطور الأمر إلى حد استعمال العلم والتقدم التكنولوجي في خدمة الأغراض الدنيئة، ومن أمثلة هذه الممارسات نسجل ما اقترفته فرنسا بجميع أطيافها التي اشتركت في عملية تفجير القنبـلة النوويـة في الصحراء الجزائرية، واشترك فيها من الرئيس الفرنسي " ديغول " إلى ابسط جندي في الفيالق الفرنسية بالجزائر حيث تعود حيثيات هذه العملية إلى سنة 1960.
بدأت فرنسا أولى تجاربها النووية يوم 13 فبراير 1960 في حمو دية بمنطقة رقان، وخطورتها تكمن في كونها سطحية، تفطن سكان المنطقة والبلدان المجاورة بسحابة نووية خطيرة، لتتبعها سلسلة من التفجيرات الأخرى السطحية( )
ونظرا لكون التجارب النووية حساسة وتتطلب وقتا، خاصة بعد العناء الذي عرفته فرنسا في بداية مشروعها النووي، حيث لم يسعفها الحظ في اكتساب التكنولوجيا النووية حتى سنة 1955( )، وأقامت فرنسا مراكز لها بإفريقيا أطلقت عليها اسم مناطق التنظيم الصناعي الإفريقي "I.A . ZO" واختارت كمقر لها كل من:
1 – منطقة كولومب بشار: قرب الحدود المغربية وقد وضع مخطط هذه القاعدة على أساس أن يشمل قسما من التراب المغربي
2- منطقة الكويف وجبل العنق التي نص تصميمها على إدماج قسما من التراب التونسي
3- المنطقة الثالثة في غينيا
4- في مدغشقر ( )
ونظرا لكون الصحراء تكتسي موقعا استراتيجيا مهما لعملية التجارب النووية، فقد أقامت مراكز نووية بالصحراء أهمها: منطقة رقان التي وقع الاختيار عليها في جوان 1957 بعد أن جرت بها عدة استطلاعات، واستقر بها ما بين 6500 فرنسي من علماء وتقنيين وجنود و 3500 جزائري كعمال بسطاء ومعتقلين.
1.3- تفجير القنبلة:
في بداية شهر فيفري من سنة 1960 كان كل شيء جاهز في رقان، وأصبح الأمر بيد الأرصاد الجوية التي ستحدد اليوم المواتي للتفجير، ولقد تم ذلك بالفعل في 12 فيفري 1960 وتقرر التفجير في يوم الغد أي 13 من فيفري، وأعطيت التعليمات الأخيرة( )
وفي فجر ذلك اليوم اتجه الجنرال " إليري " " LE Général- Aileret " إلى الحمودية مقر القيادة المتقدم الذي كان يبعد حوالي 15 كلم من النقطة الصفر، وجرت العمليات أوتوماتيكيا لتفادي أي خطأ.
سبقت عملية التفجير عدة صواريخ تعلن عن مدة التفجير التي ستتم بعد 50 ثا، وانفجرت القنبلة وشكلت كرة نارية هائلة انبعث منها ضوء باهر وسمع دويها على بعد حوالي دقيقة ثلاثين ثانية ( ) انظر الملحق
2.3- ردود الأفعال الداخلية والخارجية:
1- موقف الثورة الجزائرية:
جاء في جريدة المجاهد ليوم 22 فيفري 1960 تصريح للسيد " امحمد يزيد " وزير الأخبار للحكومة الجزائرية المؤقتة يندد فيها بتفجير القنابل الذرية برقان هذا مقتطف منه " ... إن جريمة فرنسا هذه تحمل طابع المكر الاستعماري المستهتر بجميع القيم، إننا مع جميع شعوب الأرض نشهر بفعلة الحكومة الفرنسية التي تعرض الشعوب الإفريقية إلى أخطار التجارب النووية...، إن انفجار القنبلة الذرية برقان ينزع عن فرنسا كل ما يحتمل أن يبقى لها من سمعة في العالم .( )
2- المواقف العربية والدولية:
* المغرب:
عندما فجرت القنبلة ألغى المغرب الاتفاقية الدبلوماسية المبرمة مع فرنسا في 28 ماي 1956، مما يعني أن الحكومة الفرنسية لن تمثل المغرب في البلدان التي لديها بها سفارات، كما استدعي سفير المغرب بفرنسا( ).
*- العراق:
نقل راديو بغداد عن وكالة الإعلام العراقية تصريحا للناطق الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية العراقي جاء فيه: " إن فرنسا قد تعدت على السيادة الجزائرية أولا، ووقفت أمام السلم الذي تنشده الشعوب ثانيا، ولذا فان العراق مستعد للوقوف مع الشعب الجزائري مساندا إياه من اجل وضع حد لهذه التجارب الفرنسية( )
*- مصـر:
نددت الجمهورية العربية المتحدة باعتداءات الحكومة الفرنسية، وقد صرح بذلك وزير الثقافة والتوجيه الوطني الدكتور "عبد القادر حاتم" في تصريح له بثته وكالة الإعلام للشرق الأوسط جاء فيه :
"مادامت التجارب النووية الفرنسية تشكل عملا عدوانيا واضحا اتجاه الجنس البشري في تطلعاته ومستقبله، فإنها كذلك تعتبر خرقا صارخا لحقوق الشعب الجزائري" ( ).
*- طرابلـس:
قدمت مذكرة احتجاج شديدة اللهجة إلى السفارة الفرنسية ضد التفجير النووي في الصحراء الجزائرية من جهة، ومن جهة أخرى وجه الوزير الأول الليبي " الدكتور محي الدين الفكيني " برقية إلى السيد احمد بن بلة يعبر من خلالها عن تضامن حكومته مع الشعب الجزائري في موقفها الشرعي في معارضة هذه التجارب النووية على أراضيها.( )
*- هيئة الأمم المتحــدة:
إن مندوبي الدول الغربية لدى هيئة الأمم المتحدة لم يحركوا ساكنا ولم يدينوا فرنسا وتجاربها بل كان هناك تأييد حكومي من طرف اعضاء الحلف الأطلسي، وهذا ما دفع بمندوب " تشيكسلوفاكيا ، كارل كيركا " إلى اتهام فرنسا بعرقلة مؤتمر نزع السلاح وتجاهلها لقرارات الهيئة وأكدت المعارضة من طرف كل من بلغاريا والهند وإثيوبيا وكندا والاتحاد السوفياتي ( ) كما أدينت التفجيرات من طرف كل من مؤتمر نزع السلاح " بجنيف " ومؤتمر الشعوب الأفرو أسيوية .
3.3- أثار التجربة النووية (الذرية):
في الوقت الذي كان الفرنسيين يهللون فرحا ويستبشرون خيرا بالقنبلة الذرية التي سترفع مقامهم إلى مصاف الدول الكبرى، أصبح أهالي منطقة رقان حينها يستنشقون هواءا ملوثا بالإشعاعات، فلقد كان للتجارب النووية انعكاسات خطيرة على الإنسان والبيئة حتى بعد مرور سنوات طويلة على التفجـير.
1- على السكــان:
- ظهور بعض الأمراض التي كانت نادرة الحدوث مثل : السرطان خاصة سرطان الجلد، و مرض العيون .
- ظهور حالات العمى خاصة لدى الذين أخذهم الفضول لمشاهدة المخططات الفرنسية .
- الوفيات المتكررة للاطفال عند ولادتهم - بعضهم لديه تشوهات خلقية، مثل عين واحدة على الجبين " وأصابع قصيرة جدا.monophtalme"
- ظهور حالات العقم التي أصبحت شائعة وكذا التأثيرات الوراثية كطمور الأعضاء التناسلية المسمـى
" Ambiguou genitalia " ( )
- بالرغم من مرور أكثر من ثلاثين سنة إلا انه أدى إلى إصابة احد الأشخاص بعد خروجه من سجـن رقان بسنوات قليلة، بسرطان الجلد حيث أدى به الأمر إلى وفاته سنة 2007. ( سجن في حوالي 1985 وأطلق سراحه في 1996) .
2- على البيئــة:
كانت هي أيضا وخيمة جدا حيث قضت الإشعاعات على الخيرات الطبيعية المتنوعة التي كانت تتميز بها (رقان)، ولقد تجلى الإشعاع الذري في الإضرار التي مست زراعة الحبوب والنخيل التي أصيب بوباء دخيل هو البيوض الذري ( )
- آثار النفايات النووية منم معدات عسكرية في مناطق التفجيرات لازالت تشكل خطرا على البيئة فلا تعد مناطق صالحة للزراعة ولا لأي نشاط آخر، وهذا مايدخل في خانة تدهور الغطاء النباتي، وانخفاض إنتاج المحاصيل الحقلية وظهور سلالات خضرية ضعيفة الإنتاج والمقاومة اتجاه الأمراض النباتية والحشرات والفطريات والكائنات الدقيقة( )
- كما أن التربة نتيجة لعملية الحرق النووية تصبح غير صالحة وتولد عملية الإحراق النووي، حرارة في الجو نتيجة الإشعاع الذي لا يزال موجودا، وعواصف تترتب عن هـذه التغيرات المفاجـئة في المنـاخ والتغيرات في حركة الكثبان الرملية
- التأثيرات الإشعاعية على الميله وخاصة مياه الشرب منها، فقد تلوثت نتيجة انحلال النويات الذرية التي وصلت إلى 800 نويدة منها 200 نويدة ذات أهمية خاصة بالنسبة لمياه الشرب وقد لوحظ تأثيرها على الأعضاء البشرية والحيوانية والنباتية واعتبرت مواد مسرطنة ( )
إن هذه التجربة البشعة على أبناء الجزائر الذين استعملوا كفئران تجارب في العملية أثبتت مرة أخرى مدى تأصل الفكر الإجرامي لدى الفرنسيين الذين نادوا دوما بحرية الإنسان، ولم تكن هذه القنبلة الوحيدة، بحيث تلتها عدة عمليات منها:
- 1 افريل 1960 : عملية سميت باليربوع الأبيض فجرت بطاقة حوالي 10 كيلو طن
- 25 افريل 1961 : عملية اليربوع الأخضر و بطاقة حوالي 10 كيلو طن
- 22 مارس 1965 : أكثر من 13 تجربة باطنية، منها عملية واحدة فاشلة بحبل " إن إيكر " حيث يقع الجبل . محيطه حوالي 40 كلم ويمتاز بصلابة صخوره( )
ورغم أن اتفاقيات ايفيان تقيد تواجد القوات العسكرية الفرنسية في الصحراء، وتحدد فترة تواجده بخمسة سنوات فقط أي من 1962 إلى غاية 1967 إلا أن فرنسا ضربت عرض الحائط بكل الشروط العسكرية وبدأت تجاربها النووية بالصحراء الجزائرية واستعمال الجزائريين دروعا بشرية لهذه التجارب دون احترام أدنى شروط الإنسانية.( )